حينما أريد تبسيط تاريخ التصوير الفوتوغرافي أبدأ بسرد الحكاية من بعد اختراع الكاميرا حيث استطاع عدة مصورين تحويل صناعة الصورة الفوتوغرافية إلى فن ينافس من جهة و يكمل من جهة أخرى الفن التشكيلي، و مع مرور الوقت أخذت صناعة التصوير الفوتوغرافي إلى اتساع و صغر حجم الكاميرات و توفرت معامل تحميض و طباعة الأفلام لجميع الناس. هذا التوجه التجاري لم يلقى استحسانا من بعض رواد التصوير الفوتوغرافي مما حدا بهم لللجوء إلى أساليب كيميائية غريبة يتفننون بها في تحويل صورهم إلى أعمال أقرب ما تكون إلى اللوحات الزيتية. السبب في ذلك، لاعتقادهم بأن فن التصوير يجب أن يظل فنا نخبويا رافضين مساواتهم بمصوري الكاميرات التجارية. و منذ انفتاح الناس على التصوير التجاري و إلى يومنا هذا انقسم المصورون إلى فئة تحب أن تواكب التطور و تحقيق أرباح و نتائج سريعة و مضمونة، و فئة ترى بأن الأساليب القديمة في التقاط الصور هي الأكثر جاذبية و الأعلى قيمة للصعوبة النسبية في استخدامها إذا ما قارنّاها بالكاميرات الأحدث منها. هي معركة فنية أزلية كلا أطرافها على صواب. و منذ سنوات شهدت كاميرات اللوموغرافي عودة قوية بفضل الذكاء التسويقي الذي يحاكي حنين الجماهير إلى الماضي و ربطه ما بين شراء تلك الكاميرات و الموضة الدارجة. لذا ليس بمستغرب توفر تلك الكاميرات في محلات بيع الملابس الجبسي أو البوهيمي المستوحاة من التصاميم الغجرية.
في كل الأحوال لابد و أن تظهر فئة “وسط” تحب أن تجمع و بالحلال ما بين الاثنين، القديم و الحديث و هذه الفئة تجد كثير من أفرادها من يمارس طقوسه التصويرية بهدوء بعيدا عن المجتمعات الفوتوغرافية، فئة أحبت التصوير الفوتوغرافي حب قيس لليلى و حب روميو لجولييت، حب الطفل للطيور وحب القطو للصبور 🙂
التقيت عبر الشبكة الالكترونية بمصورتين كويتيتين، المصورة ندى المرشد و المصورة ThExpat المغتربة التي ترفض الإفصاح عن هويتها، كلتا المصورتان رغم بداياتهما المختلفة، اتفقتا على أمر واحد وهو هوس التصوير الضوئي التناظري!
بدأت ThExpat مشوارها في سن السادسة عشرة. تقول المصورة: ” كنت أحمض الأفلام بغرفة نومي و لمدة سنتين و أحببت ذلك كثيرا، فللصورة الناتجة طعما خاصا. توقفت بعد ذلك لمشاغل الحياة و الجامعة و الزواج. أما ندى المرشد فقالت بأنها تدين بالفضل في بدايتها عام ٢٠٠٧ و تطورها في هذا المجال إلى مجتمعات التصوير الانترنتية و قد حصلت على أول كاميرا عندما كانت طفلة لم تتجاوز الأحد عشر عاما. تقوم المرشد بعملية المسح للنيجاتيف الفيلم وتخبرنا بأنها لا تقل أهمية عن أي عملية أخرى من مراحل إخراج الصورة. و تقول: ” كل ما يهمني السيطرة التامة على النتيجة النهائية لأن الصور ما هي إلا نتاج رؤيتك الخاصة في الحياة و من الهام أن تظهر بالشكل الذي أرغب به.”
سألت المصورتين عن أنواع الكاميرات التي استخدمتاها، أجابت المغتربة ThExpat: ” أول كاميرا كانت canon AE-1 و بعدهاNikon F90, افضل الكانون والآن اشتريت Fuji Natura classica وهي صغيرة الحجم من نوع point and shot ومن ميزاتها التصوير حتي في الاضاءة الخافتة، هي دائماً في حقيبتي. اطلب فقط تحميض الفلم وأجري عملية scan في البيت لتعطيني شعور التحميض وظهور الصورة للمرة الأولى.” تفضل المصورة استخدام فلم أسود و أبيض من نوع ILford, أما ندى فإن أفضل الأفلام التي تحب استخدامها هي الأفلام المنتهية الصلاحية، “لا تدري مالذي تخبؤه لك هذه الأفلام من تأثيرات جمالية”.
و تقول بأن لديها الكثير من الكاميرات الفلمية و الرقمية، لكنها تجد نفسها عندما تصور بالفلمية منها. لهذا انحصرت أعمالها خلال السنتين الماضيتين على الصور الفلمية و تعلل ذلك بأن هذه الطريقة تجبرها على تقدير كل إطار أو شريحة تحملها الكاميرا و تقول: ” أحاول أن أكون دقيقة و حذرة جدا أمام الفرص القليلة المتاحة أمامي للتصوير اللحظي لأنني أقدر محدودية عدد المرات التي يمكنني التصوير بها على الفلم الواحد. المصور الجاد لا يتلقط الصور، إنه يصنعها.” و قالت أيضا: ” أنا من العصاميين علمت نفسي على أساسيات التصوير بكاميرات مانيوال ( غير أوتوماتيكية ). ثلاث كاميرات لا يمكنني العيش من دونهم، Canon rebel Xsi وهي التي أبقيها دائما بحوزتي حينما ينضب مخزوني من الأفلام، كاميرا Nikon FM10 أو كما أسميها كاميرا العودة إلى الأساسيات. و أخيرا و ليس آخرا، حبيبتي Holga CFN120، تلك الأخيرة التي أجري بها معظم تجاربي على الأفلام.
.
لدى ThExpat أرشيفا رائعا من الأعمال الوثائقية التي تضاهي مستواها أعمال مصوري منظمة ماجنوم الشهيرة و تشبه أعمال فوتوغرافية لمصورين عالميين مثل هينري كارتييه Henri Cartier و ريتشارد كالفار Richard Kalvar.، و هي تعترف بانجذابها نحو توثيق حياة الشوارع و المدن، قامت بتصوير مدن عديدة منذ الثمانينات، حيث وثقت الحياة في إيطاليا و الكويت و المملكة العربية السعودية، تحديدا في مكة. كما صورت حياة المدن في دول شرق اسيا و أوروبا. و تقول بأن اختلاطها مع الناس ساعدها على التعرف عن كثب على عاداتهم. “الصينيون كانوا الأصعب في التعامل أما الأسهل كان الأوربيون خاصة القبارصة”.
.
ندى المرشد من جهة أخرى أدت بالعام الماضي فريضة الحج، حرصت أن تخرج من رحلتها بمشروع مصغر توثق به مشاهداتها و ملاحظاتها للبيئة التي أحاطتها بتلك الرحلة. لم يكن هذا المشروع الوثائقي اعتياديا، إذ برزت بصمتها المتفردة على مجموع الصور التابعة للمشروع و التي مزجت ما بين السيريالية و الواقعية. طلبت منها التعبير بأسطر قليلة عن رؤيتها الفنية لمشروع رحلة الحج الذي أسمته “الحج: رحلة عبر عدسة بلاستيكية”، فقالت: ” كلما بحثت في غوغل عن صور للحج، غالبا ما أحصل على صورا عامة بانورامية للكعبة. أردت أن أعبر عن واقع التجربة و حقيقة ما يحدث هناك، وتحديدا عن أكثر اللحظات و الأشياء التي استوقفتني و أثارت اهتمامي شخصيا. أخذت على عاتقي توثيق لحظات الطواف و رمي الجمرات ضمن إطار شخصي أحفظ به ذكريات المرة الأولى التي أؤدي بها تلك الشعائر العظيمة. و السبب في تسمية هذه السلسلة بالـ”الحج: رحلة عبر عدسة بلاستيكية” هو كوني كنت الأكثر راحة و ثقة مقارنة بغيري من المصورين آنذاك بفضل استخدامي للهولقا و عدستها البلاستيكية التي قررت أن تكون رفيقي المخلص خلال الأسابيع التي قضيتها في مكة.”
لم الابتعاد عن مجتمع التصوير؟
أجابت المغتربة ThExpat: ” لم أكن في هذا المجتمع من الأساس، ففي الثمانينات كان عدد المصورين أقل من الآن، ولم أتعرف على أحد يشترك معي باتباع هذا النوع من التصور، و بالنهاية أنا هاوية فقط.
و كان جواب المرشد: ” أفضل أن أنشر أعمال و أتقاسمها على شبكة الانترنت بدلا من الاشتراك في نوادي التصوير المحلية، و أعتقد أن مجتمعات فن التصوير على الانترنت كفليكر أو ديفيان آرت يمكنانني من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المتذوقين و الفنانين.”
.
– بعض من أعمال المصورة المغتربة ThExpat موجودة على فليكر. http://www.flickr.com/photos/thexpat/
– و هذا لقبها Nickname على الانستغرام Instagram لمستخدمي أجهزة الآيفون. ThExpat
– للتعرف على أعمال و أفكار ندى المرشد، زوروا مدونتها الشيقة ذات الاسم الطويل 🙂 http://thegirlwithkaleidoscopeeyes.wordpress.com/
موقع تنصح به ندى هواة اللوموغرافي –