يقولون أن التصوير ما يوكل عيش، هذا المثل قد لا ينطبق على بعض المصورين أمثال المصورة الأمريكية الستينية آني لو ليبوفيتز. تلك المرأة التي كادت أن تفقد حقوق الملكية الخاصة لمخزونها الفوتوغرافي بسبب بعض المشاكل المادية التي حلت بها عام 2009. و كأي شخص ناجح تثير ليبوفيتز من حولها غيرة بعض المصورين الذين لا يعتقدون بأنها تستحق أن تكون الأغلى أجرا بالعالم.
نالت هذه المصورة مؤخرا الزمالة الفخرية و وساما خاصا من جمعية التصوير الملكية بالمملكة المتحدة.
تتخصص ليبوفيتز بتصوير البورتريه للمشاهير، و استطاعت أن تحدد لها أسلوبا خاصا أصبح مصدر إلهام الكثيرين فنيا و عرفت بذكائها الاجتماعي الفريد الذي جعلها شخصية ماهرة بالتعامل مع الآخرين ( المشاهير ) أثناء جلسات التصوير وجعلهم يتصرفون باحتراف أمام الكاميرا.
شاهدت لها فيما مضى عملا لجلالة الملكة إليزابيث الأم على الإنترنت، و بالأمس وقعت في يدي نسخة من إحدى المجلات التي تصدرت به هذه الصورة غلافها. كان مثيرا بالفعل أن أشاهد تلك الصورة على ورق فحاولت أن أقرأ ما بداخلها. و أتعلم منها معكم الأسلوب الذي جعل منها صورة ناجحة بكل المقاييس بالرغم أن البعض قد يراها مرعبة أو باهتة لا روح فيها.
قبل قراءة الآتي خذ وقتك و تمعن جيدا بالصورة
النهج : النقطة المركزية Centre point approach ، وجود الشخصية في المنتصف يجعل نقطة الانطلاق لقراءة الصورة من مركزها. وهذا تجسيدا لواقع تلك الشخصية كونها رمزا يلتف حوله الناس في مملكتها مكنين له الإجلال.
الأداة الرئيسية: اعتمد هذا البورتريه على اللون و التفاصيل. نلاحظ أن للصورة تدرجا لونيا واحدا مما أعطاها ميزة الترابط المنسجم ما بين جميع مكوناتها. هو اللون السائد على المملكة المتحدة عند أواخر فصل الخريف و بداية دخول الشتاء. هي الفصول التي ترمز عادة على عمر الإنسان في خريفه. و عمر الملكة في عقدها الثامن.
التفاصيل Texture أولا و باختصار، التفاصيل هي الشكل المكون نتيجة سقوط الضوء و اتجاهه على الأسطح و الأجسام. و قد يخطئ بعض المصورين في اقتصار لفظ التفاصيل على الأشياء الدقيقة. تلعب التفاصل دورا حاسما في تشكيل البيان النهائي للصورة.
التفاصيل كونتها الغيوم الرمادية الكثيفة و جذوع الأشجار المائلة إلى السواد وقد تساقط منها كل الورق. منظر يألفه سكان الجرز البريطانية و يقضي معه معظم شهور السنة. هذه التفاصيل السائدة بالخلفية تعبر عن فترة الحكم الطويلة للملكة إليزابيث الثانية. كم مرة ذكرت كلمة تفاصيل 😀
طلبت المصورة من الملكة خلع تاج الحكم لتوحد التفاصيل المتشابهة من هيئة و لون بين الغيوم القطنية الملبدة و شعرها. كما ألبستها رداء أسود ليحاكي لون جذوع الشجر و أغصانها المتفرعة في خلفية الصورة. إن التباين البسيط فيما بينهما جعلها جزء من الطبيعة و الطقس العام. هذا الترابط الجميل يعزز فكرة الانتماء العرقي لموطنها.
تفسير وقت الفجر السيميائي يأتي مناقضا لفكرة الخريف. فالفجر يعني يوم جديد، و فرص أخرى. الملكة إليزابيث في هذه الصورة مركز يشع منه الأمل بمستقبل زاهر لبلدها المملكة المتحدة. تناقض الأفكار يكسب الصورة مدلولا قويا.
سألت مؤيد عن رأيه الفني فقال: إن ابتسامة الملكة و الأسلوب المتبع في هذا البورتريه يشبه إلى حد كبير لوحة الموناليزا. فهل توافقه الرأي؟