أيهما أفضل وأكثر استحقاقا للتقدير، فن الرسم أم التصوير الفوتوغرافي؟ سؤال أثار جدلا عقيما ولم يأت أطرافه بالجديد. هذا الجدل القائم حولهما ولد مع بداية صناعة التصوير الفوتوغرافي. من يقف بجانب الرسامين سينحاز إليهم، ومن ينحاز إلى الفوتوغرافيين فسوف يقول بأن التصوير أفضل. تلك هي ببساطة الإجابة على السؤال المطروح في المقدمة.
.
.
يحكى أن “رسم” ماهر في استخدام الألوان والريشة والخامات. اكتسب رسم مكانة مرموقة بين الناس لمهارته في توثيق الطبيعة وأشكال الحياة العامة ورسم الملوك والشخصيات الهامة والتعبير عن العقائد. لم تكن آنذاك شقيقته الصغرى “فوتوغرافيا” ناضجة بما فيه الكفاية لتثبيت ما تصنعه من انعكاسات بصناديقها المعتمة على ورق أو زجاج. وحالما اكتشفت الطريقة التي تمكنها من تحويل انعكاس الضوء إلى صورة ملموسة، اشتهرت في توثيق الناس والأماكن والمهن وكان شغلها الشاغل هو الوصول إلى أعلى درجات الدقة للحصول على صورة قريبة من الواقع.
استعان بها شقيقها “رسم” الفنان في صناعة لوحاته. في تلك الفترة، عرف التاريخ لوحات تتشابه في تكوينها وأبعادها وحتى أخطائها بالصور الفوتوغرافية. وعلى قدر السعادة التي غمرت فوتوغرافيا لما لاقته من شهرة، لم تكن ترغب في أن يتمكن العامة من استخدام تقنياتها العلمية الكيميائية وتداولها بسهولة. حاولت فوتوغرافيا بشتى الطرق لأن تتميز عن التصوير التجاري، ولكي تبقي التصوير فنا للنخبة، دفعت بنفسها وأصدقائها “البكتورياليين” إلى منافسة ومحاكاة أعمال أخيها رسم بإنتاج صور شبيهة باللوحات،(فوتوشوب أيام زمان)، مبتعدة عن الأشكال الواقعية للأشياء لأنها أحبت أن تلقب بالفنانة كأخيها الفنان رسم.
.
لم تمنع فوتوغرافيا البكتوريالية تدفق الكاميرات إلى السوق، لكنها وأصدقاؤها الأوائل، استطاعت وبجدارة وضع أسس متينة ومعايير واضحة لا تزال تستخدم إلى الآن في تحديد جودة الصورة و نجاحها فنيا و تقنيا واستحقت أن تكون فنا مستقلا بذاته بعيدا عن الرسم.
.
رسم وفوتوغرافيا صارا يعرفان طريقهما جيدا، لكل منهما أدواته، وتقنياته وقوانينه. توصلا إلى هدنة تقضي باحترام كل منهما الآخر لطالما وحدتهم رسالة سامية وألفت مابينهم المشاعر الإنسانية. لكن أصدقاء رسم وأصدقاء فوتوغرافيا الجدد لا يزالون في عراك.
.
معلومات تاريخية: بدأت الحركة الرومانسية في أوروبا وأمريكا في آواخر القرن الثامن عشر وامتدت إلى النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وهي حركة اشتملت على عدة مجالات، كالرسم والنحت والموسيقى. في أوائل القرن التاسع عشر عرفت مجموعة من المصورين بانتمائهم إلى “الرومانسية الحديثة“ (بكتوريالية رومانسية) أرادت تقريب التصوير الفوتوغرافي وأحد رموزها المصور روبيرت ديماتشي، الذي كان ممن اشتهروا بصورهم الفوتوغرافية في محاكاة اللوحات الفنية. (شاهد الصورة بالأسفل).
.
.
ومع أواخر القرن التاسع عشر، ضعف تأثير هذه المجموعة المنتمية إلى الرومانسية الحديثة. بعدما تغلب عليها المصورون المنادون بالواقعية و اختاروا مجاراة “التكنولوجيا الحديثة في التصوير” آنذاك التي أصبحت من السهل تداول أدواتها و موادها. لكن معامل التحميض والطباعة التجارية لم تظهر إلا في بداية القرن العشرين. لقد كان التصوير الطبيعي Pure or Straight photogrpahy المسيطر الأكثر تطورا وحداثة!
رؤيـة شـخـصية: الواقع الحالي يشهد القصة مقلوبة، دعاة الفن الرقمي (الديجتال فوتوغرافي) ومحبي التلاعب بالصور يتهمون المصورين الواقعيين – إن صح التعبير – بأنهم يميلون إلى محاربة التكنولوجيا بإبقاء التصوير على حاله. بما أنها قصة مقلوبة. فهل تدور عجلة التاريخ وتنقلب عربة تكنولوجيا الفوتوشوب على أصحابها؟ هل تستشعرون معي عودة قوية محققة للتصويرالفوتوغرافي الصرف Straight photography ؟ وإن حدث، هل أنتم مستعدون لمجاراة التكنولوجيا “الحديثة”؟ وكيف يمكن لجهاز هاتف متنقل كالآيفون أن يشجع على عودة التصوير الفوتوفرافي الأصيل؟
أحببت في هذا الموضوع أن أعرض على قراء تصويري جانبا بسيطا من تاريخ العلاقة بين الرسم والتصوير. وبداية انتشار التصوير الفوتوغرافي بأسلوب قصصي يسهل هضمه. وأتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك
.
أختكم عذوب 🙂