تعلق و تعقل
سألت نفسي يوما عن الفرق بين التعلق بالكاميرا و الاهتمام الجاد بالتصوير الفوتوغرافي. فأدركت بعد تفكير أن المتعلق بالكاميرا و التصوير هو من يعتبر الكاميرا و ملحقاتها لعبة جديدة و الوقت الذي يقضيه برفقة الكاميرا جميل و مسل و فرصة لإضفاء إثارة جديدة في حياته الشخصية التي لا تخلو من الرتابة أو ساعات الملل .. و من منا لا يملك حياة كتلك؟
أما المصور الجاد هو من يجعل الجري وراء الجديد و الغريب آخر اهتماماته، فالمسألة هنا ليست موضة يركب أمواجها العاتية ليلحق من سبقوه و يسابق من خلفوه و يحل بالمراتب الأولى. تجده غالبا ما يعمل في صمت و يدع أعماله تتحدث عنه. يفضل أن يقضي ساعة مع كتاب، مجلة، أو موقع عن التصوير على أن يبدد وقته بشيء آخر باسم التصوير. يغالبه التفكير بالخطوة الصحيحة التي يتحول منها من مصور صورا جميلة إلى مصور فيلسوف
قد تنتاب المصور الفيلسوف بعد مدة حالة من الغضب أو الرفض الداخلي لحمل الكاميرا لمجرد التصوير و تكديس الصور أو إقامة المعارض. إما أن تقوده تلك الحالة إلى الشعور بالإحباط و من ثم التوقف أو التكاسل، أو تتحول إلى طاقة إيجابية توجه تفكيره نحو إيجاد السبل التي تحررها على هيئة مشاريع خاصة ربحية و غير ربحية تنشر الفائدة للجميع، يحترم فيها ذاته التي كرسها لهذا الفن. و من الهام أن نعي بأن سنوات الخبرة في المجال ليست ذات علاقة شرطية بالنقطة السالفة.
أي بمعنى آخر، ربما تأتي هذه الحالة إلى مصور مبتدئ لطموحه الكبير، الأمر الذي لا يعجب غالب المخضرمين. الطموح وحده لا يكفي ، و الإلمام بتقنيات التصوير أيضا لا يكفي. الكاميرا كالريشة و القلم، لن يعرك الناس اهتمامهم إن لم تكن تكتب، ترسم أو تصور بإحساسهم و تنقل تعابيرهم بصدق و تتبنى قضاياهم، أفراحهم، اهتماماتهم صغيرة و كبيرة و ما يصب في مصلحتهم. ليس الكلام هنا عن مصوري المعارك،
مكمن الحديث هو الكف عن التباهي برؤية العالم بشكل مختلف بمنظورك ( أو منظارك ) الخاص و إيجاد معادلة تحقق فيها التوازن ما بين منظارك و مناظير أو (عيون) الآخرين.
في مجتمعاتنا فرصة الشباب المصور من الذكور أفضل من الإناث، أعرف إناثا على استعداد برمي أنفسهن في حواري فلسطين وسط القذائف و الحجارة لوضع رسالة إنسانية في إطار صورة، لكن العيش في مجتمع تقمع فيه الطاقات يؤدي بهم إلى شراء استوديو منزلي لتصوير تماثيل من محلات هولمارك و كعك العيد!
هل نسلم بالأمر، أم ندخل في معركة مجهولة العواقب؟ مقاومة المجتمع ستستنزف منك الوقت و الجهد و تشتت ناظريْك ( العين و القلب ) عن رؤية المسار ( السلمي ) الذكي الذي تتكيف به و الظروف الاجتماعية التي تحيط بك دونما انتقاص لخبرتك و أحلامك. إن حل تلك المعضلة يتطلب التركيز على بناء علاقة صحية ما بينك و بين فن التصوير لا تشوبها الصغائر و توافه الأمور حتى لا تعلق في دوامة لن تتقدم بعدها شبرا واحدا. و حذار أن تحيد بك نفسك عن الهدف المنشود من مخالطة ذوي الخبرة و أصحاب المعدات الثقيلة فتنشغل بشراء الأجهزة دون هدف واضح أو دراسة لجدوى استعمالك لها على المدى الطويل حتى لا تصاب بإرهاق نفسي بعد صحوة متأخرة!
بسطها و لا تقعدها!
أفكارك اجعلها تتناسب و إمكاناتك لتضمن انسيابية العمل على تنفيذها و إنجاحها دون أن تتعارض مع مسؤولياتك الأخرى. للفرد منا أدوار عديدة يمارسها في حياته و الدخول في مشروع جاد لا يخلو من تضحيات أو تقصير يخل بجانب من جوانب الحياة. فرصة العمر تروح و تأتي فرصة عمر أخرى، لكن خسارة محبيك لن تعود بالربح على الإطلاق.
حياتك أولا، و الأقربون!
أحدث تغييرا أو ساهم به، ليست الكاميرا الفخمة أو العدسة الطويلة ما سيجعل منك إنسانا ذوو شأن، صناعة الأفكار لإحداث التغيير في حياتك و حياة الآخرين من خلال الصورة يتطلب منك قلما و ورق! ابدأ بالإجابة على هذا السؤال، هل أنا مهووس بالصور الجميلة و مصوريها أم مصور جاد يعرف ما يريد من ذلك الصندوق؟