سلم نفسك المكان محاصر
آخر، تقول بعض الأصوات الناقدة مبررة: أليس جميعنا مستغلون؟ ألا يستغل المصور جمال الوردة و عظمة الجبال الشاهقة في صناعة الصورة؟
لا ينكر الناقدون أهمية المصور كأداة تشكيل للتاريخ ، فهو من يحدد ما سيدخل ضمن إطار الصورة وهو من يقرر مصيرها. هل أنشرها؟ ، أين ؟ و كيف و لمن ؟! وماهي النبرة الصوتية للخطاب المصاحب لها؟
.
.
لأن الحكومات تدرك جيدا خطورة دور المصور ، ذهب البعض بها إلى فرض عقوبة الإعدام لكل من يسترق بعدسته الأحداث الدامية بالمعارك، بعد الضجة السياسية و التأثير النفسي العميق اللذان أحدثتهما صور حرب فيتنام ، و إن كان من باب الترهيب دون وجود نية حقيقية لتطبيقها.
للتخلص من شبهة استغلال الناس على المصور أن يسلم أن الجدل حول دوره قديم منذ الأزل و لن يصدقه كل الناس و إن رمى اليمين بالطلاق !
عدم النشر بدافع الانتشار. الصورة بعلم الرموز أو كما يسمي بالسيمبوليزم، تحتوي على عناصر رمزية لها معاني مختلفة، أي و على سبيل المثال، الوردة يمكن أن ترمز إلى العاطفة أو إلى أي شيء آخر إما متعارف عليه أو لمعنى مختلف من ابتكار المصور. و المعنى الرمزي للصورة يتأثر بعنونتها و شرحها إضافة إلى المكان الذي تعرض فيه و الكيفية كما أسلفت
لنتفرض أنك قمت بتصوير قطعة أرض بها عشب أخضر ، عرضت الصورة بثلاثة أماكن مختلفة
عرضت الصورة على موقع فليكر و كتبت فوقها (كانت ذكرى جميلة)، على الأرجح ، كل ما ستحصل عليه هو تعليقات الثناء من أصحابك أو أشخاص لا يمتون و التصوير بصلة، ربما لأنك حولتها إلى صيغة الاتش دي آر أو رفعت نسبة التشبع اللوني للإبهار.
نفس هذه الصورة، عرضتها في متحف شهير و بنفس العنوان أو عنوان آخر ( إنها تعني لي الكثير)، بذلك تسمح لعقل قارئها بتحليلها كتحفة فنية و قد يحالفك الحظ و يشتريها منك أحد مهووسي الفن في مزاد علني بآلاف الدنانير
وضعت هذه الصورة على فترينة محل لبيع الأراضي و العقار و كتبت عليها (أرض للبيع بمساحة كذا متر مربع)، ستسقط فورا قيمتها الفنية و تتحول بذهن القارئ إلى صورة توضيحية لا أكثر. و إن طقتها الشمس و راحت ألوانها مع الوقت، يمكن حتى ما يلتفت صوبها مركزا على المعلومات العقارية فقط 🙂
عند قيامك بتصوير عامل نظافة أحرقته الشمس و نشر صورته على موقع فليكر تحت عنوان .. مل الصبر مني ، أو شوقي يزيد لك يا بعيد
و بعد شهور أصبت بحالة من الخمول و توقفت لأي سبب من الأسباب عن التصوير ، وجدت في أرشيفك صورة أخرى لنفس هذا العامل بتكوين آخر يعجبك، فتنشرها بعنوان آخر .. من قديمي ، من أرشيفي الخاص
و أسفلها واصفا : من زمان ما صورت و مادري شنو أحط !!
لو استطعت، لنفذت حكم الإعدام بك يا مصور يا مستغل بيدي الاثنتين !
هذا هو الاستغلال بعينه و أمها !
تخيل أن تجد صورتك و قد ملأ الحزن وجهك ، ربما لعطل ما بالسيارة ، في صحيفة يومية مع مانشيت كبير في وسط الصفحة (بائسون يائسون نحن المصابون بالإيدز)، ماذا ستكون ردة فعلك؟
لا أريد الخروج من موقع فليكر بأمثلتي ، مثل هذه الصورة عرضتها و أرفقت معها معلومات أساسية لهذا الشخص، اسمه، وظيفته، و يوم التقاط الصورة مع ذكر الأسباب، هنا قد احترمت إنسانيته و إن لم تنجح في إجلاء غيمة الشبهات تماما، فلا يزال مكان النشر(فليكر) محط جدل و هدفك من اختياره. ماذا فعلت من أجل ذلك الشخص الموجود بالصورة؟ هل ساهمت بتحسين وضعه؟ هل أوصلت صوته بالشكل الصحيح و للجهات المختصة؟
نحن لا نملك تغيير العالم، لأنها مسؤولية مشتركة لا فردية، و المساهمة بالقليل تعني الكثير عن المعنيين و تصد سهام الاتهام بالاستغلالية “إلى حد ما” ، اختيار البيئة المناسبة لعرض الصورة و المعلومات المرفقة عاملان رئيسيان يجب على كل مصور التفكير مليا بهما قبل الشروع بالنشر و تلطيخ تاريخه بالسواد.
بسؤالي لأحد المختصين، ماذا تفضل، صورة إنسان بعنوان شاعري، أم بلا عنوان !
رد قائلا: لقد توقفت عن وضع العناوين الشاعرية لصور الناس منذ زمن بعيد، أفضل أن تكون الصورة بلا عنوان إن لم يكن لدي معلومات كافية أرفقها و ربما أمتنع عن نشرها.
قد ألجأ إلى هذا النوع من العناوين كاسم لمشروع مكون من سلسلة صور غير معنونة مع معلومات واضحة، مكثفة و مختصرة عنه. سنختفي يوما عن هذه الأرض و تبقى هذه الصور متداولة بين أجيال و أوساط مختلفة.